منزلة الشهداء عند ربهم خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : ” منزلة الشهداء عند ربهم “ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 8 شعبان 1443هـ، الموافق 11 مارس 2022م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 مارس 2022م بعنوان : منزلة الشهداء عند ربهم .
أولاً: مَن هُم الشهداءُ ؟
ثانيــــًا : للشهداءِ في الإسلامِ مكانةٌ عظيمةٌ وكراماتٌ عديدةٌ.
ثالثــــًا: صورٌ مِن الشهادةِ .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 مارس 2022م بعنوان : منزلة الشهداء عند ربهم : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ بعنوان: منزلةُ الشهداءِ عندَ ربِّهِم د. محمد حرز بتاريخ: 8 شعبان 1443هــ – 11 مارس 2022م
الحمدُ للهِ الذي كتبَ للشهداءِ أعلىَ الجنانِ، وللمدافعينَ عن أوطانِهِم النصرَ والرضوانَ،الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾(الحديد: 19)، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَليُّ الصالحين، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخَلِيلُهُ القائلُ كما في حديثِ عبدِاللهِ بنِ عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) (رواه الترمذي وحسنه) ، فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أما بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }( آل عمران :102) ثم أمَّا بعدُ :(( منزلةُ الشهداءِ عندَ ربِّهِم )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ
أولاً: مَن هُم الشهداءُ ؟
ثانيــــًا : للشهداءِ في الإسلامِ مكانةٌ عظيمةٌ وكراماتٌ عديدةٌ.
ثالثــــًا: صورٌ مِن الشهادةِ .
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن منزلةِ الشهداءِ عندَ ربِّهم خاصةً ما ذنبُ الشرطِّي الذي قُتلَ على يدِ تجارِ المخدراتِ، ليلقَى اللهَ شهيدًا بإذنِ اللهِ جلَّ وعلا، وما ذنبُ الضابطِ والعسكرِي الذي قُتلَ على يدِ الخِسةِ والندالةِ ، شُلتْ يدُ الغدرِ والخيانةِ يا سادةُ، وخاصةً وأنّ قواتُنَا المسلحةِ تُضحِّي كلَّ يومٍ بشهداءٍ مِن أبنائِهَا المخلصين الأبرارِ؛ دفاعًا وحبًّا لهذا الوطنِ الغالي مصرَ الحبيبةِ، وللهِ درُّ القائلِ:
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ *** اللهُ يحرسُهَا عطفًا ويرعَاهَا ندعوكَ يا ربِّ أنْ تحمِى مرابعَهَا *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة : منزلة الشهداء عند ربهم
أولاً: مَن هُم الشهداءُ ؟
أيُّها السادةُ: بدايةً الشهادةُ مِن أعظمِ الرتبِ، وأعلاهَا، وأشرفِهَا ومِن أنفسِ المقاماتِ، وأحسنِهَا، وأبهاهَا، ذلك لِمَا لأهلِهَا عندَ اللهِ تعالى مِن الأجرِ العظيمِ، والثوابِ الجزيلِ، والدرجةِ العاليةِ.
والشهيدُ مَن ماتَ في سبيلِ اللهِ، والشهيدُ مَن قَاتلَ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا، والشهيدُ مَن ماتَ للمحافظةِ على وطنهِ وأرضهِ وعرضهِ، والشهيدُ هو الذي يأبَى الدنيّةَ في دينهِ، ويَرفضُ المذلةَ والهوانَ، فاللهُ – جلَّ جلاله – جعلَ العزةَ للمؤمنين، فإذا حاولَ أحدٌ أنْ يستذلَّكَ فدافِع، إذا حاولَ أحدٌ أنْ يجتاحَ حقكَ فقاوِم، إذا حاولَ أحدٌ ضياعَ وطنكَ فجاهِد، فالشهيدُ هو مَن قُتِلَ دفاعًا عن دينهِ أو نفسهِ أو أهلهِ أو عرضهِ أو مالهِ، والوطنُ فيه الأهلُ والعرضُ والمالُ، فالدفاعُ عنه مِن أكرمِ الطاعاتِ منزلةً، وأرفعهَا مكانةً، وأكثرهَا بذلاً وعطاءً، وأخلدهَا ذكرًا وثناءً، وقد كان عليه الصلاةُ والسلامُ أسرعَ الناسِ إلى الدفاعِ عن وطنهِ، والذودِ عنهُ، فحينَ فزعَ أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ، انطلقَ الناسُ نحوَ الصوتِ، فتلقاهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم راجعًا، وقد سبقَهُم إلى الصوتِ، وهو على فرسهِ فَقالَ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا أي لا تخافُوا وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هريرةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ)) والشهيدُ الحقُّ مَن ماتَ في سبيلِ اللهِ دفاعًا عن دينهِ وطنهِ ودفاعًا عن عرضهِ أو دفاعًا عن مالهِ فعن سعيدِ بنِ زيدٍ رضى اللهُ عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( رواه الترمذي وحسنه) وسببُ تسميةِ الشهيدِ شهيدًا:ــ للعلماءِ في ذلك أقوالٌ شتَّى منها:قيلَ: لأنَّهُ حيٌّ، فكأنّ أرواحَهُم شاهدةٌ أي حاضرةٌ. وقيلَ: لأنّ اللهَ ورسولَهُ وملائكتَهُ يشهدونَ له بالجنةِ ، وقيل: لأنَّه يشْهَدُ (يَرى) عندَ خروجِ روحهِ ما أُعدَّ له مِن الكرامةِ، وقيل: لأنَّه يُشْهَدُ له بالأمانِ مِن النارِ. وقيل: لأنَّ ملائكةَ الرحمةِ تشهدهُ عندَ موتهِ. وتشهدُ له بحسنِ الخاتمةِ، وقيل: لأنَّهُ يشاهدُ الملائكةَ عندَ احتضارِه.وقيلَ لأنَّ اللهَ يشهدُ له بحسنِ نيتهِ وإخلاصهِ، وقيل: لأنَّهُ الذي يشهدُ يومَ القيامةِ بإبلاغِ الرسلِ.
فاللهَ اللهَ في الشهادةِ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ اللهِ ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ الأوطانِ، وها هو نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم في يومٍ مِن الأيامِ يطرحُ علي أصحابِهِ سؤالاً ليغيرَ المفاهيمَ ، ليصححَ الأمورَ، فقالَ صلى اللهُ عليه وسلم كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ)) – لعلمِهِ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ الناسَ يُحبونَ الدنيَا ويخافونَ مِن الموتِ، ثم يأتي حديثٌ آخرٌ عن المرأةِ النفساءِ التي تموتُ في نفاسِهَا فهي شهيدةٌ، والحريقُ شهيدٌ والغريقُ شهيدٌ، وصاحبُ الهدمِ الذي يقعُ عليه الهدمُ شهيدٌ، فعنْ أبي هُرَيْرةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى اللهُ عليه وسلم: “الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه “(متفقٌ عليه). المقتولُ دونَ مظلمتِهِ:عن سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّن ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ((مَن قُتل دونَ مَظلمتهِ، فهو شهيدٌ)) (رواه النسائي)
بل مَن سألَ اللهَ الشهادةَ بنيةٍ صافيةٍ كان مِن أهلِهَا وإنْ ماتَ على فراشهِ كما في صحيحٍ مسلمٍ مِن حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم : ((مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ)).
فاللهُ كرَّمَهُ وأعلى شأنَهُ ****وله الخلودُ بجنةِ الرضوانِ
إنَّ الشهيدَ مقامُهُ في أوجهَا ****كالنَّجمِ يَسمُو فوقَ كلِّ مكانِ
حيٌّ، وكلُّ الناسِ في أجداثِهم ****فالرُّوحُ في الرَّوضاتِ والأفنانِ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة : منزلة الشهداء عند ربهم
ثانيــــًا : للشهداءِ في الإسلامِ مكانةٌ عظيمةٌ وكراماتٌ عديدةٌ.
أيُّها السادةُ : الشهادةُ في سبيلِ اللهِ اصطفاءٌ من اللهِ جلَّ جلالُه وتقدستْ أسماؤُه واجتباءٌ ليستْ لجميعِ البشرِ, فالشهادةُ منحةٌ ربانيةٌ وغنيمةٌ إلهيةٌ يختصُّ اللهُ بها مَن يشاءُ مِن عبادهِ قالَ جلَّ وعلا: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ (آل عمران: 140) وكيفَ لا ؟ والشهداءُ في المرتبةِ الثالثةِ بعدَ النبيينَ والصديقينَ كما قال ربُّنَا {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} (النساء: 69(
والشهادةُ في سبيلِ اللهِ تجارةٌ رابحةٌ لن تبورُ، وكيف لا ؟! واللهُ جلَّ وعلا علّقَ عليها مغفرةَ الذنوبِ ، والنصرَ في الدنيا والنجاةَ من النارِ والفوزَ بالجنةِ في الآخرةِ قالَ جلَّ وعلا: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } [سورة التوبة: 111]
والشهداءُ أحياءٌ عندَ خيرِ جوارٍ فأيُّ نعيمٍ بعدَ هذا النعيمِ، أحياءٌ وليسوا أمواتًا قالَ ربُّنَا : ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ (البقرة: 154).بل الشهداءُ هم أصحابُ الأجورِ الوفيرةِ العظيمةِ، والنورِ التامِ يومَ القيامةِ قال جلَّ وعلا﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾(الحديد: 19).لذا تمنَّى نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم أنْ يكونَ شهيدًا، وأنْ يُقتلَ في سبيلِ اللهِ مراتٍ ومراتٍ: لفضلِ ولمكانةِ الشهيدِ عندَ اللهِ جلَّ وعلا فعن أبِي هريرةَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((والذي نفسِي بيدِه، وددتُ أنِّي أُقاتلُ في سبيلِ اللهِ فأُقتلُ، ثم أُحيا ثم أُقتلُ، ثم أُحيا ثمَّ أُقتلُ))(متفق عليه) وفي سننِ الترمذِي بسندٍ حسنٍ: أنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ: « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً.
وكيف لا ؟ وللشهيدِ في الجنةِ مائةُ درجةٍ بينَ كلِّ درجةٍ كما بينَ السماءِ والأرضِ فعن أبِي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: (إنَّ في الجنةِ مائةَ درجةٍ أعدَّهَا اللهُ للمجاهدينَ في سبيلِ اللهِ، ما بينَ الدَّرجتينِ كما بينَ السماءِ والأرضِ)( رواه البخاري).
والشهيدُ يغفرُ له ذنوبُهُ ورائحةُ دمهِ مسكٌ يومَ القيامةِ: روى الترمذيُ بسندٍ صحيحٍ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-: « لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ“
والشهيدُ لا يُفتنُ في قبرهِ فعَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيدَ قَالَ « كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً )) (رواه النسائي).والشهيدُ لا يشعرُ بالألمِ عندَ موتهِ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- :« مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ » رواه الترمذي . والشهداءُ لا يُصعقونَ مِن النفخِ في الصُّورِ:فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّه سألَ جبريلَ عليه السلامُ عن هذه الآيةِ: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ (الزمر: 68): ((مَن الذين لم يَشأ اللهُ أن يصعقهم؟ قال: هم شُهداءُ اللهِ))(رواه الحاكم)
وللهِ درُّ ابنُ المباركِ للفضيلِ بنِ عياضٍ حينَ قال:
يا عابدَ الحرمينِ لو أبصرتنَا *** لعملتَ أنّك في العبادةِ تلعبُ
مَن كان يخضبُ خدَهُ بدموعهِ *** فنحورُنَا بدمائِنَا تتخضبُ
أو كان يُتعِبُ خيلَهُ في باطلٍ *** فخيولُنَا يومَ الصبيحةِ تتعبُ
ريحُ العبيرِ لكُم ونحن عبيرُنَا ***رهجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ
ولقد أتانَا عن مقالِ نبيِّنَا ***قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذبُ
لا يستوي غبارُ خيلِ اللهِ في ***أنفِ امرئٍ ودخانُ نارٍ تلهبُ
هذا كتابُ اللهِ ينطقُ بَيننَا ***ليس الشهيدُ بميتٍ لا يكذبُ
. أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة : منزلة الشهداء عند ربهم
ثالثــــًا: صورٌ مِن الشهادةِ .
أيُّها السادةُ : لقد ضربَ لنا الصحابةُ الأطهارُ الأخيارُ -رضوانُ اللهِ عليهم – أروعَ الأمثلةِ في التضحيةِ دفاعًا عن دينهِم ونبيهِم ووطنهِم ؛ فهذا عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضى اللهُ عنه في غزوةِ بدرٍ، سمعَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ: ” قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ” ، فيَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : ” فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ” ، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. (رواه مسلم )
وهذا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: أَيْنَ؟! أَيْنَ؟! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ قَالَ: فَحَمَلَ فَقَاتَلَ , فقُتِلَ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَطَقْتُ ما أطاق فقالت أخته: والله ما عرفت أَخِي إِلَّا بِحُسْنِ بَنَانِهِ فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً ضَرْبَةُ سَيْفٍ وَرَمْيَةُ سَهْمٍ وَطَعْنَةُ رُمْحٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)( الأحزاب: 23) صحيح ابن حبان)
وهذا حنظلةُ بنُ أبي عامرٍ:ــ قُتلَ شهيدًا في ليلةِ عُرسهِ وسُمِّيَ بغَسِيلِ الملائكةِ. فعن هشاِم بنِ عروةَ عن أبيهِ أنَّ رسولَ اللهِ قال لامرأةِ حنظلةَ: “مَا كَانَ شَأْنُهُ؟” قالت: خرجَ وهو جُنُبٌ حينَ سمعَ الهاتفةَ، فقال رسولُ اللهِ: “لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ”. فقد خرجَ في صبيحةِ عرسهِ وهو جنبٌ، فلقيَ ربَّهُ شهيدًا.
بل انظروا يا شبابٌ إلى أولادِ عمروِ بنِ الجموحِ الأعرجِ الأربعة، يومَ أحدٍ يقولونَ لأبيهِم: يا أبانَا إنَّ اللهَ قد عذرَكَ ونحنُ نكفيكَ, فيبكِي الرجلُ بكاءً شديدًا وذهبَ عمرُو إلى رسولِ اللهِ، يا رسولَ اللهِ أبنائِي يمنعونِي من الجهادِ فقالَ النبيُّ المختارُ صلى اللهُ عليه وسلم: يا عمرُو إنَّ اللهَ قد عذرَكَ ليس على الأعرجِ حرجٌ فقال عمرُو يا رسولَ اللهِ أريدُ أنْ أطأَ الجنةَ بعرجتِي فالتفَّ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إلى أولادهِ قائلاً لهم: دعُوه لعلَّ اللهَ يرزقُه الشهادةَ، وينطلقُ عمرُو في المعركةِ وسطِ أولادهِ ليموتَ شهيدًا ليدخلَ وليطأَ الجنةَ بعرجتهِ . اللهُ أكبرّ !!!
وفي معركةِ السادسِ من أكتوبر العاشرِ من رمضانَ ضربَ لنا أبطالُ قواتِنَا المسلحةِ البواسلِ وأبطالُ الشرطةِ البواسلِ، أروعَ الأمثلةِ وأعظمَهَا في الحفاظِ على الوطنِ والدفاعِ عنه والتضحيةِ من أجلهِ والموتِ في سبيلهِ، وسطرُوا التاريخَ بدمائِهم الذكيةِ العطرةِ ولايزالونَ يقدمونَ أعظمَ وأروعَ الأمثلةِ في الحفاظِ علي وطنهِم والدفاعِ عنه وحمايةِ أمنهِ واستقرارِهِ ضدَّ كلِّ غاشمٍ يريدُ النيلَ منها ومِن شعبِهَا الأبيِّ وأرضِهَا المباركةِ .
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا من كيدٍ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
عبادَ اللهِ : أذكروا اللهَ يذكرْكُم واستغفرُوه يغفرْ لكم وأقم الصلاةَ
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف